موسوعة المحتوى الإسلامي المترجم

الإبداع في كمال الشرع (إصدار الثالث)

سلسلة مؤلّفات فضيلة الشّيخ (8)

الإبداع في كمال الشّرع وخطر الابتداع

لفضيلة الشّيخ العلّامة

محمّد بن صالحٍ العثيمين

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

من إصدارات مؤسّسة الشّيخ محمّد بن صالحٍ العثيمين الخيريّة

*

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا،

من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بال‍هدى ودين الحقّ، فبلّغ الرّسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمّة، وجاهد في الله حقّ جهاده حتّى أتاه اليقين، وترك أمّته على محجّةٍ بيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلّا هالكٌ، بيّن فيها ما تحتاجه الأمّة في جميع شؤونها؛ حتّى قال أبو ذرٍّ رضي الله عنه: ما ترك النّبيّ صلى الله عليه وسلم طائرًا يقلّب جناحيه في السّماء إلّا ذكر لنا منه علمًا.

وقال رجلٌ من المشركين لسلمان الفارسيّ رضي الله عنه: علّمكم نبيّكم حتّى الخراءة (آداب قضاء الحاجة) قال: نعم، لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائطٍ أو بولٍ، أو أن نستنجي بأقلّ من ثلاثة أحجارٍ، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي برجيعٍ أو عظمٍ.

وإنّك لترى هذا القـرآن العظيم قـد بيّن الله تعالى فيه أصول الدّين وفـروع الدّين، فبيّن التوحيد بجميع أنـواعه، وبيّن حتّى آداب المجالس والاستئذان، قال تعالى:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} [المجادلة:11]، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [النور:27-28].

حتّى آداب اللّباس، قال الله تعالى:

{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور:60]، {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب:59]، {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} [النور:31]، {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة:189].

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الّتي يتبيّن بها أنّ هذا الدّين شاملٌ كاملٌ لا يحتاج إلى زيادةٍ، كما أنّه لا يجوز فيه النّقص،

ول‍هذا قال الله تعالى في وصف القرآن: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89]، فما من شيءٍ يحتاج النّاس إليه في معادهم ومعاشهم إلّا بيّنه الله تعالى في كتابه، إمّا نصًّا أو إيماءً، وإمّا منطوقًا وإمّا مفهومًا.

أيّها الإخوة!

إنّ بعض النّاس يفسّر قول الله تعالى:

{وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون } [الأنعام:38] يفسّر قوله: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} على أنّ الكتاب القرآن، والصّواب: أنّ المراد بالكتاب هنا: اللّوح المحفوظ. وأمّا القرآن فإنّ الله تعالى وصفه بأبلغ من النّفي، وهو قوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89]، فهذا أبلغ وأبين من قوله: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}.