أخطاء يرتكبها بعض الحجاج
الحمد لله ربّ العالمين، وأصلّي وأسلّم على نبيّنا محمدٍ خاتم النبيّين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدّين، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب:21]، وقال تعالى: ﴿فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون ﴾ [الأعراف:158]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم ﴾ [آل عمران:31]، وقال تعالى: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِين ﴾ [النمل:79]، وقال تعالى: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُون ﴾ [يونس:32].
فكلّ ما خالف هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم وطريقته فهو باطلٌ وضلالٌ، مردودٌ على فاعله؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ» أي: مردودٌ على صاحبه غير مقبولٍ منه.
وإن بعض المسلمين -هداهم الله ووفقهم- يفعلون أشياء في كثيرٍ من العبادات غير مبنيةٍ على كتاب الله وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم، ولا سيما في الحجّ الّذي كثر فيه المقدمون على الفتيا بدون علمٍ، وسارعوا فيها حتّى صار مقام الفتيا متجرًا عند بعض الناس للسّمعة والظّهور، فحصل بذلك من الضلال والإضلال ما حصل، والواجب على المسلم ألا يقدم على الفتيا إلا بعلمٍ يواجه به الله عز وجل؛ لأنه في مقام المبلّغ عن الله تعالى القائل عنه، فليتذكر عند الفتيا قوله في نبيّه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيل ٤٤ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِين ٤٥ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِين ٤٦ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِين ﴾ [الحاقة:44-47]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون ﴾ [الأعراف:33].
وأكثر الأخطاء من الحجاج ناتجةٌ عن هذا -أعني: عن الفتيا بغير علمٍ- وعن تقليد العامة بعضهم بعضًا دون برهانٍ.
ونحن نبيّن -بعون الله تعالى- السّنة في بعض الأعمال الّتي يكثر فيها الخطأ، مع التنبيه على الأخطاء، سائلين من الله أن يوفّقنا، وأن ينفع بذلك إخواننا المسلمين؛ إنه جوادٌ كريمٌ.
ثبت في (الصحيحين) وغيرهما عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم وقّت لأهل المدينة: ذا الحليفة، ولأهل الشام: الجحفة، ولأهل نجدٍ: قرن المنازل، ولأهل اليمن: يلملم.
وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم وقّت لأهل العراق: ذات عرقٍ. رواه أبو داود والنسائيّ.
وثبت في (الصحيحين) أيضًا من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يهلّ أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهلّ أهل الشام من الجحفة، ويهلّ أهل نجدٍ من قرنٍ» الحديث.
فهذه المواقيت التي وقّتها رسول الله صلى الله عليه وسلم حدودٌ شرعيةٌ توقيفيةٌ موروثةٌ عن الشارع، لا يحلّ لأحدٍ تغييرها، أو التعدّي فيها، أو تجاوزها بدون إحرامٍ لمن أراد الحج أو العمرة؛ فإن هذا من تعدّي حدود الله،
ولأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «يهلّ أهل المدينة... ويهلّ أهل الشام... ويهلّ أهل نجدٍ»،
فالإحرام من هذه المواقيت واجبٌ على من أراد الحج أو العمرة إذا مرّ بها أو حاذاها، سواءٌ أتى من طريق البرّ أو البحر أو الجوّ.
فإن كان من طريق البرّ نزل فيها إن مرّ بها أو فيما حاذاها إن لم يمر بها، وأتى بما ينبغي أن يأتي به عند الإحرام من الاغتسال، وتطييب بدنه، ولبس ثياب إحرامه، ثم يحرم قبل مغادرته.
وإن كان من طريق البحر، فإن كانت الباخرة تقف عند محاذاة الميقات اغتسل، وتطيب، ولبس ثياب إحرامه حال وقوفها، ثم أحرم قبل سيرها،
وإن كان من طريق الجوّ اغتسل عند ركوب الطائرة، وتطيب، ولبس ثوب إحرامه قبل محاذاة الميقات، ثم أحرم قبيل محاذاته، ولا ينتظر حتى يحاذيه؛