فضل عشر ذي الحجة - 1
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن استنَّ بسنته، واهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذه رسالة موجزة، تضمنت أهم ما يحتاجه المسلم في فضل عشر ذي الحجة، جمعناها لزائري الحرمين الشريفين وزائراته؛ حتى يكونوا على علمٍ وبصيرة بأمور دينهم، راجين من الكريم المنَّان أن ينفع بها، ويجعلها صالحة، ولوجهه خالصة؛ إنه خير مسؤول، وأكرم مأمول.
عشر ذي الحجة، فضلها عظيم، بيَّنه اللَّه تعالى في كتابه، وبيَّنه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سنته، فهي الأيام التي أقسم اللَّه تعالى بها في كتابه بقوله: ﴿وَٱلۡفَجۡرِ* وَلَيَالٍ عَشۡر﴾ [الفجر: 1-2]، وهي عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وابن كثير، وابن القيم، وغير واحد من السلف والخلف[1]. [1] تفسير ابن كثير ( 4/ 106)، وزاد المعاد (1/ 56).
وهي الأيام التي يكون العمل فيها أفضل من الجهاد في سبيل اللَّه تعالى؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَٰلِكَ بِشَيْءٍ» [2]. [2] رواه البخاري، والترمذي واللفظ له.
1. أداء الحج والعمرة، وهما من أفضل الأعمال في هذه العشر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن حَجَّ هَذَا الْبَيْتِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». وفي لفظ مسلم: «مَن أَتَى هَذَا الْبَيْتِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ كَيَوْمٍ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» [3]. فقوله: (مَن أَتَى هَذَا الْبَيْتِ) يشمل بمفهومه الحج والعمرة ولله الحمد. وقال عليه الصلاة والسلام: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ» [4]. [3] رواه البخاري، ومسلم. [4] رواه البخاري، ومسلم.
2. صيام الأيام التسعة، أو ما تيسر منها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرِ»، والصيام من أعظم الأعمال الصالحة، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم عليه، ورغَّب فيه، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» [5]. [5] رواه البخاري، ومسلم.
3. تُشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم: «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رَجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» [6]. [6] رواه البخاري، ومسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، وَإِنَّهُ لَيُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِي الْأَرْضِ، فَطَيِّبُوا بِهَا نَفْسًا» [7]. [7] رواه الترمذي.
وإذا دخلت عشر ذي الحجة؛ أمسك من أراد أن يضحي عن شعره، وبشرته؛ لحديث أم سلمة رضي اللَّه عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ؛ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ». وفي لفظ: «... فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ» [8]. [8] رواه مسلم.
4. التكبير، والتهليل، والذكر في هذه الأيام العشر وأيام التشريق؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمَ عِندَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ: مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ» [9]. [9] رواه أحمد.
يبتدئ التكبير المطلق في عيد الأضحى من أول عشر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق: في جميع الأوقات، في الليل، والنهار، والطريق، والأسواق، والمساجد، والمنازل، وفي كل موضع يجوز فيه ذكر اللَّه تعالى.
القسم الثاني: التكبير المقيَّد: وهو الذي يُقيَّد بأدبار الصلوات في عيد الأضحى خاصة، ووقته، وصفته على النحو الآتي:
أولاً: يبتدئ التكبير المقيَّد عقب صلاة الفجر يوم عرفة، وينتهي بعد صلاة العصر في اليوم الثالث من أيام التشريق. هذا لغير الحاج، أما الحاج فيبدأ التكبير المقيد في حَقه من ظهر يوم النحر.
ثانيًا: صفة التكبير: (اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر اللَّه أكبر ولله الحمد)[10]. [10] انظر: المغني لابن قدامة (3/ 290)، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف (5/ 380).
5. الحرص على أداء صلاة العيد لغير الحاجّ، والتبكير إليها، والاستماع للخطبة؛ فإنها من أعظم شعائر الإسلام؛ ولعظم شأنها أُمِرَ بالخروج إليها النساء حتى الأبكار والحيّض؛ فعن أمِّ عطية رضي اللَّه عنها قالت: «كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ حَتَّى نَخْرُجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ، وَيَدْعُونَ بِدَعَائِهِمْ، وَيَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَطَهَارَتِهِ». وفي لفظ: «وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّىٰ الْمُسْلِمِينَ» [11]. [11] رواه البخاري، ومسلم.
6. كثرة الأعمال الصالحة، من نوافل العبادات: كالصلاة والصدقة، والقراءة للقرآن الكريم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الجيران، وصلة الأرحام وغير ذلك من الأعمال الصالحة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَٰلِكَ بِشَيْءٍ» [12]. [12] رواه البخاري، والترمذي له.