موسوعة المحتوى الإسلامي المترجم

التمسك بالسنة

التّمسّك بالسّنّة النّبويّة وآثاره

*

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة المقدّم

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، اللهم صلّ وسلّم عليه، وبعد:

فإننا سعداء، وأظنّكم -أيضًا- سعداء أن نلتقي في هذه الليلة المباركة بعالمٍ جليلٍ، أعطى من وقته وجهده الكثير؛ خدمةً للعلم وطلّاب العلم، لا يبغي من ذلك غير الأجر والثواب من ربّ العباد؛ إنـه سماحة الوالـد الشّيخ: محمد بن صالحٍ العثيمين، عضو هيئة كبار العلماء، وإمام وخطيب الجامع الكبير بعنيزة، والأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلاميّة، فرع القصيم.

فله منا جميعًا الشّكـر والدعاء على استجابته الكـريمة لرغبة اللجنة بمهرجان المدينة الأول لإلقاء محاضرةٍ عن (التّمسّك بالسّنة وآثاره)؛ وذلك في رحاب هذه الجامعة العريقة: الجامعة الإسلاميّة في المدينة، والتي تعاونت -مشكورةً- مع اللجنة الثقافيّة لمهرجان المدينة الأول في استضافة هذه المحاضرة.

يسرّني أن أدعو سماحة الوالد الشّيخ (محمد بن صالحٍ العثيمين) -نفع الله بـه وبعلمه الإسلام والمسلمين- لإلقـاء محاضرتـه، والتّفضّـل بالإجابة على ما قد يرد من أسئلةٍ مكتوبةٍ في نهاية المحاضرة؛ فليتفضّل مشكورًا.

*

التّمسّك بالسّنة النّبويّة وآثاره

الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أرسله الله بالهدى ودين الحقّ، فبلّغ الرّسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمّة، وجاهد في الله حقّ جهاده؛ فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين.

أما بعد: ففي هذه الليلة، ليلة الخميس، التّاسع من شهر رجبٍ، عام تسعة عشر وأربع مئةٍ وألفٍ، يسرّني أن ألتقي بإخواني أهل المدينة -أهل طيبة- في قاعة المحاضرات في الجامعة الإسلاميّة، وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا اللّقاء لقاءً مباركًا نافعًا.

إنّ موضوع المحاضرة ما سمعتموه من آثار التّمسك بالسّنة النّبويّة؛ وذلك أن السّنة النّبويّة شقيقة القرآن الكريم؛ من كونها حجّةً تقوم على العباد، وهم مكلّفون بالعمل بها؛ كما هم مكلّفون بالعمل بالقرآن.

إنّ السّنّـة النّبويّـة: هـي ما ثبت عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آلـه وسلم- من قولٍ، أو فعلٍ، أو إقرارٍ؛ والعمل بها واجبٌ كالعمل بالقرآن تمامًا؛ إلا أن المستدلّ بالقرآن لا يحتاج إلا إلى نظرٍ واحدٍ، والمستدلّ بالسّنة يحتاج إلى نظرين:

أمّا القرآن: فيحتاج المستدلّ به إلى النّظر في دلالة النّصّ على الحكم الذي استدلّ له بهذا النّصّ؛ ولا ريب أن الناس يختلفون في هذا اختلافًا كثيرًا بحسب علومهم وفهمهم.

والناس يختلفون في فهم دلالة القرآن الكريم؛ حسب علومهم وأفهامهم، وحسب إيمانهم بالله عز وجل وتعظيمهم لحرمات الله.

أما المستدلّ بالسّنّة فيحتاج إلى نظرين:

أولهما: النظر في ثبوت السّنة عن رسول الله -صلّى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ لأن السّنة دخل فيها كثيرٌ من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، فيحتاج المستدلّ بها إلى النظر في صحّتها وثبوتها عن رسول الله -صلّى الله عليه وعلى آله وسلم-؛

ولهذا ألف العلماء رحمهم الله كتب الرّجال، وألفوا في المصطلح حتى تتبين السّنة الصّحيحة من السّقيمة.

أمّا النّظر الثّاني: فهو كالنّظر في القرآن، أي: [النّظر في] دلالة النّصّ على الحكم الذي استدلّ له به؛ والناس يختلفون في هذا اختلافًا كثيرًا؛ ولقد قال الله عز وجل لنبيّه -صلّى الله عليه وعلى آله وسلم-:

{وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}

[النساء:113]،

وفسّر كثيرٌ من العلماء (الحكمة) بأنها السّنة.

وأمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله؛ فقال تعالى:

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ}

[النساء:59]،

والأمر بطاعة الرسول يستلزم أن تكون سنته دليلًا شرعيًّا يجب العمل به.

وقال الله تعالى:

{وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}

[الجن:23]؛