موسوعة المحتوى الإسلامي المترجم

رسالة الحجاب

رسالــــة الحجــــاب

*

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد، فلقد بعث الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحقّ؛ ليخرج الناس من الظّلمات إلى النّور بإذن ربّهم إلى صراط العزيز الحميد، بعثه الله لتحقيق عبادة الله تعالى، وذلك بتمام الذّلّ والخضوع له تبارك وتعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وتقديم ذلك على هوى النفس وشهواتها، وبعثه الله متمّمًا لمكارم الأخلاق، داعيًا إليها بكلّ وسيلةٍ، وهادمًا لمساوئ الأخلاق محذّرًا عنها بكلّ وسيلةٍ، فجاءت شريعته صلى الله عليه وسلم كاملةً من جميع الوجوه، لا تحتاج إلى مخلوقٍ في تكميلها أو تنظيمها؛ فإنها من لدن حكيمٍ خبيرٍ، عليمٍ بما يصلح عباده، رحيمٍ بهم.

وإن من مكارم الأخلاق التي بعث بها محمدٌ صلى الله عليه وسلم ذلك الخلق الكريم، خلق الحياء الّذي جعله النبيّ صلى الله عليه وسلم من الإيمان، وشعبةً من شعبه، ولا ينكر أحدٌ أن من الحياء المأمور به شرعًا وعرفًا احتشام المرأة، وتخلّقها بالأخلاق الّتي تبعدها عن مواقع الفتن ومواضع الرّيب.

وإن مما لا شكّ فيه أن احتجابها بتغطية وجهها ومواضع الفتنة منها لهو من أكبر احتشامٍ تفعله وتتحلى به؛ لما فيه من صونها وإبعادها عن الفتنة.

ولقد كان الناس في هذه البلاد المباركة -بلاد الوحي والرّسالة والحياء والحشمة- كانوا على طريق الاستقامة في ذلك، فكان النّساء يخرجن متحجّباتٍ متجلبباتٍ بالعباءة أو نحوها، بعيداتٍ عن مخالطة الرّجال الأجانب، ولا تزال الحال كذلك في كثيرٍ من بلدان المملكة، ولله الحمد.

لكـن لما حصـل ما حصـل من الكلام حول الحجاب، ورؤيـة من لا يفعلونه، ولا يرون بأسًا بالسّفور، صار عند بعض الناس شكٌّ في الحجاب وتغطية الوجه: هل هو واجبٌ، أو مستحبٌّ، أو شيءٌ يتبع العادات والتقاليد، ولا يحكم عليه بوجوبٍ ولا استحبابٍ في حدّ ذاته؟

ولإزالة هذا الشكّ وجلاء حقيقة الأمر أحببت أن أكتب ما تيسّر؛ لبيان حكمه، راجيًا من الله تعالى أن يتّضح به الحقّ، وأن يجعلنا من الهداة المهتدين الّذين رأوا الحق حقًّا واتبعوه، ورأوا الباطل باطلًا، فاجتنبوه، فأقول -وبالله التوفيق-:

اعلم -أيّها المسلم- أن احتجاب المرأة عن الرّجال الأجانب وتغطية وجهها أمرٌ واجبٌ، دلّ على وجوبه كتاب ربّك تعالى، وسنة نبيّك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، والاعتبار الصحيح، والقياس المطرد.

*

أدلّة القرآن الكريم

فمن أدلة القرآن:

الدليل الأول: قوله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [النور:31].

وبيان دلالة هذه الآية على وجوب الحجاب على المرأة عن الرّجال الأجانب وجوهٌ:

1- أن الله تعالى أمر المؤمنات بحفظ فروجهن، والأمر بحفظ الفرج أمرٌ به وبما يكون وسيلةً إليه، ولا يرتاب عاقلٌ أن من وسائله تغطية الوجه؛

لأن كشفه سببٌ للنظر إليها، وتأمّل محاسنها، والتلذذ بذلك، وبالتالي إلى الوصول والاتّصال.

وفي الحديث: «العينان تزنيان، وزناهما النظر» إلى أن قال: «والفرج يصدّق ذلك أو يكذبه»، فإذا كان تغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج كان مأمورًا به؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.

2- قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [سورة النور:31] ؛ فإن الخمار ما تخمّر به المرأة رأسها وتغطّيه به كالغدفة، فإذا كانت مأمورةً بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورةً بستر وجهها، إما لأنه من لازم ذلك، أو بالقياس؛ فإنه إذا وجب ستر النحر والصدر كان وجوب ستر الوجه من باب أولى؛ لأنه موضع الجمال والفتنة؛ فإن الناس الذين يتطلبون جمال الصّورة لا يسألون إلا عن الوجه، فإذا كان جميلًا لم ينظروا إلى ما سواه نظرًا ذا أهمّية، ولذلك إذا قالوا: «فلانةٌ جميلةٌ» لم يفهم من هذا الكلام إلا جمال الوجه، فتبين أن الوجه هو موضع الجمال طلبًا وخبرًا، فإذا كان كذلك فكيف يفهم أن هذه الشريعة الحكيمة تأمر بستر الصدر والنحر، ثم ترخّص في كشف الوجه؟!

3- أن الله تعالى نهى عن إبداء الزّينة مطلقًا إلا ما ظهر منها، وهي التي لا بد أن تظهر، كظاهر الثّياب، ولذلك قال: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة النور:31] لم يقل: «إلا ما أظهرن منها»، ثم نهى مرةً أخرى عن إبداء الزّينة إلا لمن استثناهم، فدلّ هذا على أن الزّينة الثانية غير الزّينة الأولى، فالزّينة الأولى: هي الزّينة الظاهرة التي تظهر لكلّ أحدٍ، ولا يمكن إخفاؤها، والزّينة الثانية: هي الزّينة الباطنة التي يتزين بها، ولو كانت هذه الزّينة جائزةً لكلّ أحدٍ لم يكن للتعميم في الأولى والاستثناء في الثانية فائدةٌ معلومةٌ.