إعلام المسافرين
الحمـد لله ربّ العالمـين، والصّـلاة والسّـلام علـى أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيّنا محمّدٍ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين.
أمّا بعد، فقد كان من جهود صاحب الفضيلة شيخنا محمّد بن صالحٍ العثيمين رحمه الله في سبيل الدّعوة إلى الله جل وعلا حرصه ومثابرته على نشر العلم الشّرعيّ بين النّاس في مختلف فئاتهم، وعقد اللّقاءات معهم؛ من أجل ذلك.
وقد كانت تغمره السّعادة والسّرور في لقاءاته بمدينة جدّة مع الملّاحين الجوّيّين من الطّيّارين والمهندسين والمضيفين بالخطوط العربيّة السّعوديّة، أولئك الّذين أبدوا رغبتهم وأدركوا حاجتهم لطرح المسائل الّتي يقابلونها في أعمالهم ورحلاتهم الجويّة، وأسفارهم المتكرّرة.
جمع هؤلاء الأفاضل ورتّبوا تلك المسائل الّتي تحتوي على أحكامٍ تهمّ المسافرين في العبادات والمعاملات والآداب والسّلوك، ثمّ عرضت على فضيلة الشّيخ رحمه الله تعالى في تلك اللّقاءات المباركة، وأجاب عنها، فأثمرت هذه الرّسالة النّافعة بإذن الله تعالى.
وقد بذل الشّيخ وليد بن محمّدٍ الطّويل حفظه الله جهدًا مشكورًا في إعداد وطباعة هذه الرّسالة عام 1421ﻫ بعنوان:
واعتنى بخدمة الكتاب في عزو الآيات، وتخريج الأحاديث، وكتابة الفهرس، وقد شاركه في ذلك مجموعةٌ من طلبة العلم والمختصّين، فجزى الله الجميع خير الجزاء، وأجزل لهم المثوبة والأجر.
وإنفاذًا للقواعد والتّوجيهات الّتي قرّرها فضيلة الشّيخ رحمه الله لنشر تراثه العلميّ تمّ إخراج هذه الرّسالة، وأدرج في الخاتمة ما حرّره الشّيخ بقلمه من الأذكار الّتي تقال صباحًا ومساءً.
نسأل الله تعالـى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجـهه الكريم، نافعًا لعباده، وأن يجزي فضيلة شيخنا عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ويعلي درجته في المهديّين؛ إنّه سميعٌ قريبٌ.
الحمد لله ربّ العالمين، وصلـى الله وسلم على نبيّنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين.
أما بعد: فإنني أشكر الله سبحانه وتعالى أن وفقني للّقاء بإخواني الملاحين الجوّيّين من الطيارين والمهندسين الجوّيين والمضيفين بالخطوط الجويّة العربية السعوديـة، والإجابـة على استفساراتهم، خاصـةً أننا نـرى فيهم من على وجوههم سيماء الخير، ونسمع -أيضًا- ما يسرّنا نحو هذا.
وإنّي أوصيهم بتقوى الله عز وجل، والحرص التامّ على راحة الرّكاب، وعلى ما فيه مصلحة الدّين والدّنيا من مراعاة الأمور الشرعية، كأوقات الصلوات إذا حلت وهم في الأجواء، وكذلك أوقات الإحرام بالحجّ أو بالعمرة، بحيث ينبّهون الرّكاب قبل محاذاة الميقات بمدةٍ يتمكنون بها من خلع الثّياب العادية، ولبس الثّياب التي تلبس في الإحرام، وليتوسعوا في ذلك، بمعنى: إذا قدّر أن الوقت الّذي يكفي لهذا العمل عشر دقائق فلينبّهوا على ذلك قبل هذا الوقت بخمس دقائق أو أكثر؛ لأن من الناس من لا يستطيع أن يخلع ملابسه ويلبس ثياب الإحرام بسهولةٍ، ويحتاج إلى مدةٍ أطول.
ثم إنّي أقول: الاحتياط في الإحرام قبل الميقات أهون من أن يتجاوز الميقات بدقيقةٍ واحدةٍ؛ لأن الدقيقة الواحدة بالنّسبة للطائرة تبلغ فيها مسافةً كبيرةً يمكن أن يحكم بأن الميقات قد فات الإنسان.
كذلك أيضًا لـو قدموا التنبيه على الدّخول في النّسك على الميقات؛ لأنهم إذا لم ينبّهوا الناس إلا والطائرة في حذاء الميقات لم يتمكن من عقد النّية إلا بعد مجاوزة الميقات؛ بحكم سرعة الطائرة.
الجواب: يرى بعض العلماء رحمهم الله أن السفر مقيدٌ بالمسافة، وهي بين (81) إلى (83) كيلو متر، ويرى بعضهم أن السفر معتبرٌ بالعرف، فما جرت العادة بأنه سفرٌ فهو سفرٌ وإن قرب، وما لم تجر العادة بأنّه سفرٌ -أي: لا يسمّيه الناس سفرًا- فليس بسفرٍ، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو أصح من حيث الدليل، لكنه صعبٌ من حيث التطبيق؛ إذ إن بعض الناس قد يرى هذا سفرًا، والآخر لا يراه سفرًا، لكن تحديد المسافة أضبط وأبين للناس، ومتى ما اجتمع أن يكون هذا السفر سفرًا بالمسافة وبالعرف فلا إشكال، وإذا اختلفت المسافة والعرف فيعمل الإنسان بالأحوط.