الهندوسية في ميزان تعاليمها الأصلية والعقل والفطرة السليمة
فالهندوسية بعد عصر الفيداتVedas صارت تمتليء بالإشكالات العقلية والعلمية والفطرية والتي سنرصُد بعضًا منها في هذا الكتاب.
لقد ابتعدت الهندوسية بشدة عن تعاليم الفيدات الأصلية (المصادر الأصلية للديانة الهندوسية)، واتبعت تعاليم الناس والنُسَّاك والبهاغافاد غيتا
سأحاول في هذا الكتاب الصغير أن أُحاكم الهندوسية الحالية للعقل والعلم الحديث والمنطق وتعاليم الفيدات الأصلية التي ما زالت بين أيدي الهندوس حتى الساعة، وأنا على يقين أنَّ بقايا الحق الذي في الفيدات والذي في فطرة الهندوسي كفيلان بإيصال الهندوسي بسلام إلى الدين الحق.
والفطرة هي: ذلك الدافع نحو النظر في غاية وجود الإنسان ومآله، وتوجيه هذا الدافع نحو الإيمان بالله والعبودية له بما شرع.
والدين الحق هو: تلك الرسالة التي شملت بقايا الحق في الفيدا وهي صوت الفطرة وهي وحي الله للعالمين، وهي الرسالة الناطقة بآثار توحيد الله في تعاليم الأبانيشاد Upanishad उपनिषद्.
لقد ابتعدت بعيدًا جدًا عن بقايا التعاليم التوحيدية النقية الصافية في الفيدا، فأنت في الهندوسية الحالية تجد الاعتقاد بوحدة الوجود حيث يتحد الخالق بالمخلوق، فيصير المخلوق هو عين الخالق، وهذا الاعتقاد العجيب لا يناقض تعاليم الفيدا الصريحة فحسب، بل ويناقض بديهيات عقلية، إذ كيف يَحِل الإله في كل شيء، ثم أنت أيها الهندوسي تسعى للوصول إليه بمجموعة من الطقوس والممارسات وهو في الأصل حالٌ فيك؟
ثم إنَّ الاعتقاد بوحدة الوجود يدعو للقول بنسبية الحقيقة، فكل الديانات التي تعبد أصنامًا أو أحجارًا هي بالتالي تعبد الإله، لأن الإله وفقًا لهذه العقيدة هو الصنم والحجر فالإله حالٌ في كل شيء وهو كل شيء.
أضف إلى ما سبق أن الفيدا تدعو صراحةً للإيمان بالإله المنفصل عن خلقه، فهذه المخلوقات هي مخلوقات الله، والله لا تسعه مخلوقاته ليحل فيها.
تقول الفيدا وتحديدًا في الريج فيدا ऋग्वेद: "يا الله! الشمس والعالم كلاهما، لا يقدران أن يحيطاك ويسعاك".[1]
وفي الهندوسية الحالية تجد الاعتقاد بتناسخ الأرواح حيث تنتقل أرواح البشر بعد الوفاة إلى كائنات أخرى لتولد من جديد في كائن حي جديد، فكل إنسان كانت له حياة سابقة في كائن حي آخر قبله وهكذا، وهذه العقيدة تُولِّد إشكالات كثيرة، فإذا كان تناسخ الأرواح صحيحًا فكيف لا يُولد الرُضع بنفس القدرات العقلية للبالغين؟[2]
ثم إنَّ عقيدة تناسخ الأرواح تقوم على تسلسل الولادات المتكررة، فكيف هذا وقد أثبت العلم المعاصر أن للحياة بداية، والأرض ذاتها لها بداية وليست أزلية.
ثم لو صحَّ تناسخ الأرواح فالمفترض أن تكون أعداد الكائنات الحية ثابتة، لأنها تتناسخ فيما بين بعضها البعض، وهذا لا يقول به إنسان اليوم!
والأهم من ذلك أن الفيدا لا تقول بتناسخ الأرواح، حتى قال العالم الهندوسي شري ستياكام وديالنكار: "إن عقيدة التناسخ ليست في الفيدات، وأنا أتحدى من يقول بذلك".[3]
وخير دليل على صحة كلام وديالنكار أنَّ الهندوس يؤدون طقوسًا دينية قديمة تسمى: "شرادة Śrāddha श्राद्ध"، وهدف هذه الطقوس هو: تسكين أرواح الموتى.
ومن عقائد الهندوسية الحالية أيضًا الاعتقاد بـ: الكارما، حيث أنَّ البشر طبقًا للكارما يولودون نتيجةً لأعمالهم السابقة، فمَن كان فاسدًا سيولد في حياة أخرى جديدة في طبقة أقل أو ببلاءات أكبر.
وعلى هذا فالهندوس ينظرون للشخص المُبتلَى على أنَّ ابتلاءه هو نتيجةً لآثامٍ ارتكبها في حياةٍ سابقة، وهذا التصور المغلوط المُشوَّش يُفسد الحياة بأكملها فهو لا يُقدم أية خدمة للإنسانية، بل يقرر أنَّ ما في الناس من بلاء هو عقوبة طبيعية على جريمة سابقة في حياة سابقة، إنَّ هذا نوعٌ من مصالحة التخلف والظلم والطبقية.