محرمات استهان بها كثير من الناس
محرمات استهان بها كثير من الناس
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا،
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
فإن الله سبحانه وتعالى فرض فرائض لا يجوز تضييعها،
وحدَّ حدودًا لا يجوز تعدِّيها،
وحرَّم أشياء لا يجوز انتهاكها.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
ما أحلَّ الله في كتابه فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله العافية، فإن الله لم يكن نسيًّا
رواه الحاكم 2/375، وحسنه الألباني في غاية المرام ص: 14
والمحرمات هي حدودُ الله عز وجل:
وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ
وقد هدَّد الله من يتعدَّى حدودَه وينتهِك حرماته،
(وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)
لقوله صلى الله عليه وسلم:
ما نهيتُكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتُكم به فافعلوا منه ما استطعتم.
رواه مسلم: كتاب الفضائل حديث رقم 130 ط. عبد الباقي
ومن المُشاهَد أن بعض متبعي الهوى، ضعفاء النفوس، قليلي العلم،
إذا سمع بالمحرمات مُتوالية يتضجر ويتأفف ويقول:
كل شيء حرام، ما تركتم شيئًا إلا حرمتموه، أسأمتمونا حياتنا، وأضجرتم عيشتنا، وضيَّقتم صدورنا، وما عندكم إلا الحرام والتحريم،
الدين يسر، والأمر واسع، والله غفور رحيم.
إن الله جل وعلا يحكم ما يشاء لا معقب لحكمه وهو الحكيم الخبير،
فهو يُحِلُّ ما يشاء ويُحرِّم ما يشاء سبحانه،
ومن قواعد عبوديتنا لله عز وجل: أن نرضَى بما حكم ونُسلِّم تسليمًا.
وأحكامه سبحانه صادرة عن علمه وحكمته وعدله ليست عبثًا ولا لعِبًا،
(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
وقد بيَّن لنا عز وجل الضابط الذي عليه مدار الحل والحرمة،
(وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ)
والتحليل والتحريم حق لله وحده؛
فمن ادعاه لنفسه أو أقر به لغيره فهو كافر كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة،
(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ)
ثم إنه لا يجوز لأي أحد أن يتكلم في الحلال والحرام إلا أهل العلم العالِمين بالكتاب والسنة،
وقد ورد التحذير الشديد فيمن يُحلِّل ويُحرِّم دون علم،
(وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ)
والمحرمات المقطوع بها مذكورة في القرآن وفي السنة،
قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ .. الآية.
وفي السنة كذلك ذكرٌ لكثير من المحرمات،
كقوله صلى الله عليه وسلم:
إن الله حرَّم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام.
رواه أبو داود 3486، وهو في صحيح أبي داود 977.
وقوله صلى الله عليه وسلم:
إن الله إذا حرَّم شيئًا حرَّم ثمنه.
رواه الدارقطني 3/7، وهو حديث صحيح
وقد يأتي في بعض النصوص ذكر محرمات مختصة بنوع من الأنواع،
مثلما ذكر الله المحرمات في المطاعم فقال:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ .. الآية
وذكر سبحانه المحرمات في النكاح، فقال:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ .. الآية
وذكر أيضًا المحرمات من المكاسب، فقال عز وجل:
وأحل الله البيع وحرم الربا .. الآية
ثم إن الله الرحيم بعباده قد أحلَّ لنا من الطيبات ما لا يُحصَى كثرةً وتنوعًا،
ولذلك لم يُفصِّل المباحات؛ لأنها كثيرة لا تُحصَر،
وإنما فصَّل المحرمات لانحصارها، وحتى نعرفها فنجتنبها،
وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ.
أما الحلال فأباحه على وجه الإجمال ما دام طيبًا، فقال:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
فكان من رحمته أن جعل الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم،
وهذا من كرمه سبحانه وتعالى ومن توسعته على عباده،
فعلينا الطاعة والحمد والشكر.
وبعض الناس إذا رأوا الحرام مُعدَّدًا عليهم ومفصَّلًا، ضاقت أنفسهم ذرعًا بالأحكام الشرعية،
وهذا من ضعف إيمانهم وقلة فقههم في الشريعة.