رسالةٌ في سجود السّهو
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّدٍ الذي بلّغ البلاغ المـبين، وعلى آله وأصحابه والتّابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين.
أمّا بعد: فإنّ كثيرًا من النّاس يجهلون كثيرًا من أحكام سجود السّهو في الصّلاة؛ فمنهم من يترك سجود السّهو في محلّ وجوبه، ومنهم من يسجد في غير محلّه، ومنهم من يجعل سجود السّهو قبل السّلام، وإن كان موضعه بعده، ومنهم من يسجد بعد السّلام، وإن كان موضعه قبله، ولذا كانت معرفة أحكامه مهمّةً جدًّا، لا سيّما للأئمّة الذين يقتدي النّاس بهم، وتقلّدوا المسؤوليّة في اتّباع المشروع في صلاتهم التي يؤمّون المسلمين بها.
إذا زاد المصلّي في صلاته قيامًا، أو قعودًا، أو ركوعًا، أو سجودًا متعمّدًا بطلت صلاته. وإن كان ناسيًا، ولم يذكر الزّيادة حتّى فرغ منها، فليس عليه إلّا سجود السّهو، وصلاته صحيحةٌ. وإن ذكر الزّيادة في أثنائها وجب عليه الرّجوع عنها، ووجب عليه سجود السّهو، وصلاته صحيحةٌ.
مثال ذلك: شخصٌ صلّى الظّهر مثلًا خمس ركعاتٍ، ولم يذكر الزّيادة إلّا وهو في التّشهّد، فيكمل التّشهّد ويسلّم، ثمّ يسجد للسّهو ويسلّم. فإن لم يذكر الزّيادة إلّا بعد السّلام سجد للسّهو وسلّم. وإن ذكر الزّيادة وهو في أثناء الرّكعة الخامسة جلس في الحال، فيتشهّد ويسلّم، ثمّ يسجد للسّهو ويسلّم.
حديث عبد الله بن مسعودٍ : رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلّى الظّهر خمسًا فقيل له: أزيد في الصّلاة؟ فقال: «وما ذاك؟» قالوا: صلّيت خمسًا. فسجد سجدتين بعد ما سلّم. وفي روايةٍ: فثنى رجليه واستقبل القبلة، فسجد سجدتين ثمّ سلّم.
السّلام قبل تمام الصّلاة من الزّيادة في الصّلاة[1]؛ فإذا سلّم المصلّي قبل تمام صلاته متعمّدًا، بطلت صلاته.
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى بهم الظّهر أو العصر فسلّم من ركعتين، فخرج السّرعان من أبواب المـسجد، يقولون: قصرت الصّلاة؟ وقام النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى خشبة المـسـجد، فاتّكأ عليها كأنّه غضبان. فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصّلاة؟ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لم أنس ولم تقصر». فقال رجلٌ: بلى، قد نسيت. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم للصّحابة: «أحقٌّ ما يقول؟» قالوا: نعم. فتقدّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فصلّى ما بقي من صلاته، ثمّ سلّم ثمّ سجد سجدتين ثمّ سلّم.
وإذا سلّم الإمام قبل تمام صلاته، وفي المأمومين من فاتهم بعض الصّلاة، فقاموا لقضاء ما فاتهم، ثمّ ذكر الإمام أنّ عليه نقصًا في صلاته، فقام ليتمّها، فإنّ المأمومين الذين قاموا لقضاء ما فاتهم يخيّرون بين أن يستمرّوا في قضاء ما فاتهم ويسجدوا للسّهو، وبين أن يرجعوا مع الإمام فيتابعوه، فإذا سلّم قضوا ما فاتهم وسجدوا للسّهو بعد السّلام، وهذا أولى وأحوط.
إذا نقص المصلّي ركنًا من صلاته؛ فإن كان تكبيرة الإحرام فلا صلاة له، سواءٌ تركها عمدًا أم سهوًا؛ لأنّ صلاته لم تنعقد.
وإن تركه سهوًا؛ فإن وصل إلى موضعه من الركعة الثّانية لغت الرّكعة التي تركه منها، وقامت التي تليها مقامها. وإن لم يصل إلى موضعه من الرّكعة الثّانية وجب عليه أن يعود إلى الرّكن المتروك فيأتي به وبما بعده، وفي كلتا الحالين يجب عليه أن يسجد للسّهو بعد السّلام.
مثال ذلك: شخصٌ نسي السّجدة الثّانية من الرّكعة الأولى، فذكر ذلك وهو جالسٌ بين السّجدتين في الرّكعة الثّانية، فتلغو الرّكعة الأولى وتقوم الثّانية مقامها، فيعتبرها الرّكعة الأولى ويكمل عليها صلاته ويسلّم، ثمّ يسجد للسّهو ويسلّم.