الصراط المستقيم - 4
فهذا الكتاب نحاول أن يكون مرشداً إلى الطريق الصحيح، موصلاً إلى الحقيقة التي تكون بها النجاة في الدنيا والآخرة، وإلى السعادة المنشودة التي يبحث عنها العقلاء، وفيه عرض لعلامات هذا الطريق، ومقوماته الأساسية، وبيان للمكتسبات الجميلة التي سيحصل عليها الإنسان إذا سار في هذا الطريق المبهج الموصل إلى السلام والأمان، وفيه بيان للعاقبة المهلكة، والخسارة الفادحة حال الانحراف عن هذا الطريق.
ولأن الإنسان يخرج من بطن أمه لا يعرف شيئاً؛ لكن الله سبحانه وتعالى رزقه السمع والبصر والفؤاد، وجعلها وسائل يكتسب من خلالها المعارف، وجعله الله عز وجل كائناً مفكراً عاقلاً، يظل يبحث عن الهدى والرشاد، ويتلمس الحق، وفطره الله سبحانه وتعالى على محبة الخير، وكراهية الشر.
لذا يظل يفكر ويوازن بين الأمور، ويقارن ويحاول ربط الأسباب بالمسببات، ويحاول معرفة النتائج قبل حصولها، ويجتهد في أن يتقي المخاطر، ويدفع الشر عن نفسه، وخلال ذلك تتوارد عليه الأسئلة الوجودية المحيرة.
وتختلف الفلسفات والأديان حول الإجابة على هذه الأسئلة، وكل محاولات الجواب على هذه الأسئلة من قبل الأديان المحرفة أو الوضعية والفلسفات تظل دون الحقيقة، إذًا ما هي الحقيقة؟ وما الجواب الشافي لكل ذلك؟
وإنا لنرجو أن تجد في هذا الكتاب جوابًا شافيًا لكل الأسئلة السابقة. وقد سميناه (الصراط المستقيم إلى الحقيقة)؛ لأن الطريق المستقيم هو أفضل الطريق، وهو الذي يوصل إلى الغاية بأسرع وقت، ولأن كل الطرق التي يسلكها الإنسان للوصول إلى الحقيقة غير طريق المرسلين هي طرق معوجة.
والآن ننتقل إلى أعظم مسألة حصل فيها اللبس عبر التاريخ، وهي مسألة وجود الرب عز وجل وربوبيته وأسمائه وصفاته وألوهيته.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نوفق في تحقيق ذلك، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.
وفيه من البراهين العقلية والحجج القطيعة ما يبهر العقول وهذه البراهين منها ما يدل على ربوبية الله وأنه لا يعبد إلا الله، كما في قوله تعالى: { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ (36)} [سورة الطور:35-36]، ومن مثل قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [سورة المؤمنون:91]، وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)} [سورة يس:77-81].
ومما يثير نظر القارئ أنه سيجد في القرآن العظيم تفاصيل كثيرة عن حياة نبي الله إبراهيم وأسرته، وحواره مع أبيه وقومه، وتفاصيل أسرة نبي الله يعقوب عليه السلام وأولاده وأحفاده، وتفاصيل مولد موسى عليه السلام وتنقلاته ومجادلته لفرعون، وهلاك فرعون ونجاة موسى وقومه وتاريخهم الطويل، وكذلك سيمر بك في القرآن العظيم خبر أسرة آل عمران، هذه الأسرة التي أنجبت والدة يحي عليه السلام الذي يسميه النصارى يوحنا المعمدان، وأنجبت مريم عليها السلام والدة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، وكل هذه التفاصيل وردت في القرآن العظيم لمقاصد عظيمة من بيان التوحيد والنبوات، وتأييد الله لرسله وأنبيائه، بينما لن تجد في القرآن الكريم تفاصيل عن تاريخ قبيلة قريش، وهي قبيلة النبي محمد‘، ولن تجد تفاصيل عن أسرته وأولاده، بل ورد اسم الأنبياء نوح وإبراهيم وموسى وداود وسليمان والمسيح عليهم السلام أكثر مما ورد اسم الرسول محمد‘ في القرآن؛ وفي هذا برهان عظيم على أن هذا الكتاب وحي أوحاه الله إلى الرسول محمد‘.