رسالةٌ في الدماء الطبيعية للنساء
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين، وسلّم تسليمًا.
أمّا بعد: فإنّ الدماء التي تصيب المرأة وهي الحيض والاستحاضة والنفاس، من الأمور المهمّة الّتي تدعو الحاجة إلى بيانها ومعرفة أحكامها، وتمييز الخطأ من الصواب من أقوال أهل العلم فيها، وأن يكون الاعتماد فيما يرجح من ذلك أو يضعف على ضوء ما جاء في الكتاب والسّنة.
1- لأنّهما المصدران الأساسيان اللذان تبنى عليهما أحكام الله تعالى الّتي تعبّد بها عباده وكلّفهم بها.
إذ لا حجّة إلّا في كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك كلام أهل العلم من الصحابة على القول الراجح، بشرط ألّا يكون في الكتاب والسّنة ما يخالفه، وأن لا يعارضه قول صحابيٍّ آخر، فإن كان في الكتاب والسّنة ما يخالفه وجب الأخذ بما في الكتاب والسّنة، وإن عارضه قول صحابيٍّ آخر طلب الترجيح بين القولين وأخذ بالراجح منها؛ لقوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا } [النساء:59].
وهذه رسالـةٌ موجزةٌ فيما تدعـو الحاجـة إليه من بيان هـذه الدّمـاء وأحكامها، وتشتمل على الفصول الآتية:
وفي الشرع: دمٌ يحدث للأنثى بمقتضى الطبيعة بدون سببٍ في أوقاتٍ معلومةٍ. فهو دمٌ طبيعيٌّ ليس له من مرضٍ أو جرحٍ أو سقوطٍ أو ولادةٍ. وبما أنّه دمٌ طبيعيٌّ فإنّه يختلف بحسب حال الأنثى وبيئتها وجوّها؛ ولذلك تختلف فيه النساء اختلافًا متباينًا ظاهرًا.
والحكمة فيه: أنّه لمّا كان الجنين في بطن أمّه لا يمكن أن يتغذّى بما يتغذّى به من كان خارج البطن، ولا يمكن لأرحم الخلق به أن يوصل إليه شيئًا من الغذاء، حينئذٍ جعل الله تعالى في الأنثى إفرازاتٍ دمويةً يتغذّى بها الجنين في بطن أمّه بدون الحاجة إلى أكلٍ وهضمٍ، تنفذ إلى جسمه من طريق السّرّة حيث يتخلّل الدم عروقه فيتغذّى به، فتبارك الله أحسن الخالقين.