موسوعة المحتوى الإسلامي المترجم

أحكام الهدي والأضاحي والتذكية - 1

أحكام الهدي والأضاحي والتذكية

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن استنَّ بسنته، واهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذه رسالة موجزة، تضمنت أهم ما يحتاجه المسلم في أحكام الهدي والأضاحي والتذكية، جمعناها لزائري الحرمين الشريفين وزائراته؛ حتى يكونوا على علمٍ وبصيرة بأمور دينهم، راجين من الكريم المنّان أن ينفع بها، ويجعلها صالحة، ولوجهه خالصة، إنه خير مسؤول، وأكرم مأمول.

اللجنة العلمية بجمعية خدمة المحتوى الإسلامي باللغات

أحكام الهدي والأضحية

الهدي: كلُّ ما يُهدى للحرم ويُذبح فيه من نَعَمٍ وغيرها، سُمِّي بذلك؛ لأنه يُهدي إلى الله سبحانه تعالى.

والأضحية بضم الهمزة وكسرها: ما يُذبح لله يوم العيد وأيام التشريق تقربًا إلى الله.

وأجمع المسلمون على مشروعيتهما.

وأفضل الهدي: الإبل، ثم البقر، إن أُخرج كاملاً؛ لارتفاع الثمن، ونفع الفقراء بكثرة اللحم، ثم الغنم.

وأفضل كل جنس أسمنه، ثم أغلاه ثمنًا؛ لقوله تعالى: ﴿ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ﴾ [سورة الحج: 32].

ولا يُجزئ إلا جَذَعُ الضأن، وهو: ما تمَّ له ستة أشهر، والثني مما سِواه من إبل وبقر ومعز، والثَّنِيُّ من الإبل: ما تمَّ له خمس سنين، ومن البقر: ما تم له سنتان، ومن المعز: ما تم له سنة.

وتجزئ الشاة في الهدي عن واحد، وفي الأضحية تجزئ عن الواحد وأهل بيته، وتجزئ البدنة والبقرة في الهدي والأضحية عن سبعة؛ لحديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، قال: «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ». وفي لفظ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِّنَّا فِي بَدَنَةٍ». وفي لفظ: «حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» [1]. [1] رواه مسلم.

ولحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، حينما سئل: كيف كانت الضحايا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: «كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالْشَاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ، وَيُطْعِمُونَ، حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ كَمَا تَرَى»[2]. [2] رواه الترمذي وابن ماجه.

والشاة أفضل من سُبع البدنة والبقرة.

ولا يُجزئ في الهدي والأضحية إلا السليم من المرض ونقص الأعضاء ومن الهزال؛ فلا تُجزئ العوراء بيِّنة العَوَرِ، ولا العمياء، ولا العجْفَاء وهي الهزيلة التي لا مُخَّ فيها، ولا العرجاء التي لا تُطيق المشي مع الصحيحة، ولا الهتْمَاء التي ذهبت ثناياها من أصلها، ولا الجَدَّاء التي نشف ضرعها من اللبن بسبب كِبَرِ سِنها، ولا تُجزئ المريضة البيِّن مرضها؛ لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِي: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لا تُنْقِي» [3]. [3] رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

قال الإمام الترمذي رحمه اللَّه: "والعمل على هذا عند أهل العلم" [4]. [4] رواه الترمذي.

ووقت ذبح هدي التمتع والأضاحي بعد صلاة العيد إلى آخر أيام التشريق على الصحيح.

ويُستحب أن يأكل من هديه إذا كان هدي تمتع أو قِران، ومن أضحيته، ويهدي ويتصدق أثلاثًا؛ لقوله تعالى: ﴿فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ﴾ [سورة الحج: 28].

وأما هَدْيُ الجُبْرَان، وهو: ما كان عن فعل محظور من محظورات الإحرام أو عن ترك واجب؛ فلا يأكل منه شيئًا.

ومن أراد أن يُضحي؛ فإنه إذا دخلت عشر ذي الحجة؛ لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا إلى ذبح الأضحية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ الْعَشَرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ؛ فَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا، حَتَّى يُضَحِّيَ» [5]. [5] رواه مسلم.

فإن فعل شيئًا من ذلك؛ استغفر الله، ولا فدية عليه.

صفة ذبح الهدي والأضاحي وغيرها مما يُذكَّى على النحو الآتي:

1 - لا يذبح إلا المسلم المميز العاقل، أو الكتابي، ويقصد المذكي التذكية، ولا يذبح لغير اللَّه، ولا يهل لغير اللَّه، ويُسمِّي عند الذبح أو النحر، ويُذَكِّي بآلة حادِّةٍ غير سنٍّ ولا ظُفرٍ، وينهر الدم في موضعه، ولا بد أن يكون المذكِّي مأذوناً في ذكاته شرعاً[6]. [6] أحكام الأضحية للعلامة محمد بن عثيمين، (ص 56 – 87).

2- يختار الأضحية، فيحرص على أكمل الأضاحي؛ فقد «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى، وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» [7]. [7] رواه البخاري، ومسلم.

3- الإحسان إلى الذبيحة، فيعمل كل ما يُريحها عند الذَّكاة، ومن ذلك: أن يكون الذبح بآلة حادَّة، وأن يُمِرَّها على محل الذبح بقوة وسرعة؛ لأن المطلوب الإسراع في إزهاق النفس على أكمل الوجوه من غير تعذيب؛ لحديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال: ثَنتَانِ حَفِظْتُهُما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» [8]. [8] رواه مسلم.

ويُكره أن يحدَّ السكين والبهيمة تنظر إليه؛ لما جاء عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِّ الشَّفَارِ، وَأَنْ تُوَارَى عَنِ الْبَهَائِمِ، وَقَالَ: «إِذَا ذَبَحَ أَحَدُكُمْ؛ فَلْيُجِهِزْ» [9]. [9] رواه أحمد، وابن ماجه.

4- إذا كانت الضحية من الإبل؛ نحرها قائمة معقولة يدها اليسرى؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: "أَنَّهُ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنحرُهَا فَقَالَ: اَبْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" [10]. [10] رواه البخاري، ومسلم.

5- إذا كانت الضحية من غير الإبل؛ ذبحها مضجعة على جنبها الأيسر، ويضع رجله على صفحة عنقها؛ ليتمكن منها؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ، أَمْلَحَيْنِ، أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى، وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» [11]. [11] رواه البخاري، ومسلم.

6- التسمية عند الذبح والنحر، وهي واجبة، لقول اللَّه تعالى: ﴿فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كُنتُم بِـَٔايَٰتِهِۦ مُؤۡمِنِينَ﴾ [سورة الأنعام: 118]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَإِنَّهُۥ لَفِسۡق وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِهِمۡ لِيُجَٰدِلُوكُمۡۖ وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ﴾ [سورة الأنعام: 121]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ؛ فَكُلُوهُ مَا لَمْ يَكُنْ سِنًّا وَلَا ظُفُرًا» [12]. [12] رواه البخاري ومسلم.

ويستحب التكبير: (اللَّه أكبر) مع التسمية؛ لحديث جابر- رضي الله عنه قال: شهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَضْحَى فِي الْمُصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ مِنْ مَنْبَرِهِ، أُوتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنْي وَعَنْ مَنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي» [13]. [13] رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني.

7- قطع الْحُلْقُومِ، والمريء، الْحُلْقُومِ ‌وَالْوَدَجَيْنِ، وإنهار الدم: قال الإمام ابن باز رحمه اللَّه: (إن التذكية الشرعية للإبل والبقر والغنم: على ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يقطع الذابح: الحلقوم، والمريء، والودجين، وهو أكمل الذبح وأحسنه، فإذا قطعت هذه الأربعة؛ فالذبح حلال عند جميع العلماء.

الحالة الثانية: أن يقطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين؛ وهذا حلال صحيح وطيب، وإن كان دون الأول.

والحالة الثالثة: أن يقطع الحلقوم والمريء فقط دون الودجين وهو أيضًا صحيح، وقال به جمع من أهل العلم، ودليلهم قوله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ» [14]، وهذا هو المختار في هذه المسألة [15]. [14] رواه البخاري، ومسلم. [15] انظر: مجموع فتاوى ابن باز (18/ 26).

والله المسؤول أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا؛ إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم تسليماً كثيرًا.