الأصول الستة
من أعجب العجاب، وأكبر الآيات الدالة على قدرة الملك الغلاب ستة أصول بينها الله تعالى بيانًا واضحًا للعوام فوق ما يظن الضانون، ثم بعد هذا غلط فيها كثير من أذكياء العالم وعقلاء بني آدم إلا أقل القليل.
إخلاص الدين لله تعالى وحده لا شريك له، وبيان ضده الذي هو الشرك بالله، وكون أكثر القرآن في بيان هذا الأصل من وجوه شتى بكلام يفهمه أبلد العامة،ثم لما صار على أكثر الأمة ما صار أظهر لهم الشيطان الإخلاص في صورة تنقص الصالحين والتقصير في حقوقهم، وأظهر لهم الشرك بالله في صورة محبة الصالحين وأتباعهم.
أمر الله بالاجتماع في الدين ونهى عن التفرق فيه، فيبين الله هذا بيانًا شافيًا تفهمه العوام، ونهانا أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا فهلكوا،وذكر أنه أمر المسلمين بالاجتماع في الدين ونهاهم عن التفرق فيه، ويزيده وضوحًا ما وردت به ألسنة من العجب العجاب في ذلك، ثم صار الأمر إلى أن الافتراق في أصول الدين وفروعه هو العلم والفقه في الدين، وصار الاجتماع في الدين لا يقوله إلا زنديق أو مجنون.
إن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو كان عبدًا حبشيًا، فبين الله هذا بيانًا شائعًا كافيًا بوجوه من أنواع البيان شرعًا وقدرًا،ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم فكيف العمل به.
بيان العلم والعلماء، والفقه والفقهاء، وبيان من تشبه بهم وليس منهم، وقد بين الله هذا الأصل في أول سورة البقرة من قوله:
(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)
(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)،
ويزيده وضوحًا ما صرحت به السنة في هذا الكلام الكثير البين الواضح للعامي البليد، ثم صار هذا أغرب الأشياء، وصار العلم والفقه هو البدع والضلالات، وخيار ما عندهم لبس الحق بالباطل، وصار العلم الذي فرضه الله تعالى على الخلق ومدحه لا يتفوه به إلا زنديق أو مجنون، وصار من أنكره وعاداه وصنف في التحذير منه والنهي عنه هو الفقيه العالم.
بيان الله سبحانه لأولياء الله وتفريقه بينهم وبين المتشبهين بهم من أعداء الله المنافقين والفجار، ويكفي في هذا آية من سورة آل عمران وهي قوله:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)
ثم صار الأمر عند أكثر من يدعى العلم وأنه من هداة الخلق وحفاظ الشرع إلى أن الأولياء لا بد فيهم من ترك إتباع الرسل ومن تبعهم فليس منهم ولا بد من ترك الجهاد فمن جاهد فليس منهم، ولا بد من ترك الإيمان والتقوى فمن تعهد بالإيمان والتقوى فليس منهم يا ربنا نسألك العفو والعافية إنك سميع الدعاء.
رد الشبة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة وإتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة، وهي أن القرآن والسنة لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق، والمجتهد هو الموصوف بكذا وكذا أوصافا لعلها لا توجد تامة في أبي بكر وعمر،
فإن لم يكن الإنسان كذلك فليعرض عنهما فرضًا حتمًا لا شك ولا أشكال فيه، ومن طلب الهدى منها فهو إما زنديق، وإما مجنون لأجل صعوبة فهمها فسبحان الله وبحمده كم بين الله سبحانه شرعًا وقدرًا، خلقًا وأمرًا في رد هذه الشبهة الملعونة من وجوه شتى بلغت إلى حد الضروريات العامة ولكن أكثر الناس لا يعلمون